عربي ودولي

الحرب الإسرائيلية الايرانية … ساعات ترقب مخيفة

الوصلة نيوز – في ظل تصاعد تبادل الضربات الجوية والصاروخية منذ 13 يونيو 2025، حيث ضربت إسرائيل منشآت تخصيب اليورانيوم في نطنز واغتالت قيادات إيرانية بارزة، وردّت طهران بإطلاق نحو 150 صاروخاً متوسطاً وبعيد المدى على عمق الأراضي الإسرائيلية، تزداد المخاوف من انزلاق المواجهة إلى مواجهة إقليمية أوسع تشمل تدخلات خارجية مباشرة .
مع دخول المعركة أسبوعها الثاني وتكثيف واشنطن دعمها الاستخباراتي واللوجستي لإسرائيل، تبدو الساعات القادمة مفصلية لتحديد مسار الصراع بين التهدئة والامتداد الإقليمي.

وبعد قرابة أسبوع من القتال الضاري، يقف المشهد على مفترق طرق خطير. فيما يلي أبرز السيناريوهات المتوقعة خلال الـ72 ساعة المقبلة، مع تقييم احتمال توسع الحرب إلى مواجهة إقليمية تشمل تدخلًا أمريكيًا مباشرًا:

سيناريو التهدئة المؤقتة بضغط دولي
قد تنجح الجهود الدبلوماسية المتسارعة (من الأمم المتحدة ووسطاء كروسيا وتركيا وعُمان) في فرض وقف إطلاق نار قصير خلال الأيام الثلاثة المقبلة. يدعم هذا الاحتمال ما رشح عن عرض أمريكي لوقف إطلاق النار نقله الرئيس الفرنسي ماكرون، وتصريحات نتنياهو عن تحقيق أهداف مهمة بالفعل (اغتيال قيادات، تدمير بنية تحتية) مما قد يُتيح له قبول تهدئة دون الظهور بموقف ضعففي هذا السيناريو، سترحب إيران أيضًا بالتقاط الأنفاس لإعادة تنظيم دفاعاتها، خاصة مع تعاظم الخسائر البشرية والمادية.

وقف القتال في هذه الحالة سيكون هشًا وتحت رقابة دولية مكثفة، ريثما تبدأ مفاوضات غير مباشرة حول ترتيبات أمنية (كتجميد أنشطة إيران النووية عند مستوى معين مقابل وقف الهجمات). يظل هذا السيناريو ممكنًا إذا وصل الطرفان إلى قناعة بأن كلفة استمرار الحرب تفوق مكاسبها – وهي قناعة يعززها الضغط الشعبي الداخلي في البلدين والتلويح بعقوبات أممية.

واحتمالية تحول الحرب إلى مواجهة إقليمية واسعة في هذا السيناريو تكون منخفضة، إذ سيُسهم وقف النار في تجميد الوضع الميداني ومنع انخراط أطراف جديدة.

سيناريو استمرار المعركة وتصعيد إقليمي محدود
وفق هذا السيناريو، تستمر إسرائيل في حملتها الجوية لأيام إضافية لتحقيق “بنك الأهداف” الذي وضعته سلفًا (إذ أفادت تقديرات إسرائيلية أنها بحاجة أسبوع آخر لضرب كافة الأهداف المهمة في إيران).

في المقابل تواصل إيران ردها الصاروخي وإن بمخزون يتناقص، مع احتمال لجوئها أكثر إلى وكلائها الإقليميين. قد نشهد خلال 72 ساعة انخراطًا أوسع من حزب الله اللبناني – رغم ضعفه النسبي بعد ضربات سابقة – عبر إطلاق صليات صاروخية من جنوب لبنان لإسناد طهران أو تنفيذ عملية حدودية محدودة بهدف صرف نظر إسرائيل.

كذلك قد تحاول الميليشيات الموالية لإيران في العراق استهداف السفارة الأمريكية في بغداد أو قاعدة أمريكية هناك، لتوجيه رسالة ضغط إلى واشنطن كي تلجم إسرائيل.

التصعيد قد يطاول أيضًا ساحات أخرى: فالحوثيون في اليمن قد يكررون إطلاق صواريخ نحو إيلات أو القدس، وربما تشهد الجبهة السورية تحركًا – كتفعيل منظومات إيرانية هناك أو تسهيل مرور مقاتلين نحو الجولان.

هذا السيناريو يعني اتساع رقعة الحرب دون تدخل مباشر لقوى كبرى بعد. واشنطن ستراقب عن كثب: إن بقيت الهجمات الإقليمية محدودة ولم تستهدف قواتها، فستستمر بدعم إسرائيل من الخلف وتحذير طهران. أما لو وقع هجوم مميت على جنود أمريكيين (كما توعدت إيران في البداية) أو ضُربت سفينة أمريكية في الخليج، فسيكون ذلك نقطة التحول الأخطر.

لكن حتى الآن تجنبت طهران استفزاز الأمريكيين مباشرة، ويُرجّح أن تستمر في ذلك الإدراكًا للتفوق الأمريكي الساحق. بالتالي، احتمال توسع المواجهة إلى حرب إقليمية شاملة خلال 72 ساعة يظل متوسطًا: رهين بحوادث غير محسوبة. أي خطأ في التقدير – كسقوط وابل صاروخي على قاعدة أمريكية بالخطأ أو غارة إسرائيلية تصيب موقعًا روسيًا في سوريا – قد يفجر الموقف أكثر.

سيناريو الضربة الأمريكية المباشرة (توسيع الحرب)
هذا السيناريو هو الأخطر لكنه ممكن إذا تغيّرت قواعد الاشتباك فجأة. قد يحدث ذلك لو استشعرت الولايات المتحدة أن إسرائيل باتت في خطر وجودي أو أن إيران تستعد لاستخدام أسلحة غير تقليدية.

مثلًا، إذا رصدت الاستخبارات الأمريكية تجهيز إيران لرؤوس نووية تكتيكية (لا مؤشرات مؤكدة على امتلاكها، مجرد افتراض) أو قيامها بخطوة قصوى كمهاجمة حاملة طائرات أمريكية، عندها سيكون القرار الأمريكي بدخول الحرب مباشرًة شبه حتمي.

وقد ألمح ترامب أنه لن يستهدف خامنئي “في الوقت الحالي” أي أن هذا الخيار الرادع مؤجل لا ملغي. في الـ72 ساعة المقبلة، قد تذهب واشنطن لخيار توجيه ضربات جراحية لمنشآت عسكرية إيرانية لم تتمكن إسرائيل من تدميرها، كالقواعد الصاروخية تحت الأرض أو مواقع الحرس الثوري البعيدة.

كما قد تنفذ القوات الأمريكية عمليات نوعية ضد أسطول القوارب والصواريخ الساحلية الإيراني في الخليج لمنع طهران من استهداف الملاحة الدولية.

دخول أمريكا الحرب سيعني توسيعها إقليميًا تلقائيًا ، فإيران سترد بمحاولة ضرب قواعد الخليج (قطر، الإمارات، البحرين) وربما تستهدف السعودية وإسرائيل معًا بوابل صاروخي فيما يشبه “الضربة الأخيرة”.

هذا السيناريو، رغم أنه الأقل رغبة لدى كل الأطراف، يبقى احتمالًا قائمًا إذا ساءت الحسابات. أما احتمالية تحققه خلال الثلاثة أيام القادمة، فتعتمد على تصرفات إيران بالأساس: إن حافظت طهران على نمط ردها الحالي (استهداف إسرائيل فقط)، ستبقى واشنطن على الحياد العسكري المباشر.

لكن إن انزلقت بأي عمل يستفز أمريكا (كما حدث سابقًا بإسقاط إيران طائرة أمريكية مسيّرة في 2019 ولكن بشكل أوسع نطاقًا هذه المرة)، فالتدخل الأمريكي سيصبح مسألة وقت قصير.

ويجدر بالذكر أن إسرائيل نفسها قد تدفع باتجاه هذا السيناريو إذا شعرت أنها غير قادرة وحدها على تحقيق انهيار لقدرات إيران خلال فترة وجيزة – وقد ألمح مسؤولوها أن “الضربة القاضية بيد أمريكا. وعليه، قد تتعمد تل أبيب توريط طهران في مواجهة مع واشنطن لضمان حسم الحرب سريعًا.

سيناريو الحرب الطويلة منخفضة الوتيرة
هناك احتمال آخر هو دخول الصراع في حالة استنزاف أطول دون حسم واضح، خاصة إذا عجزت الدبلوماسية عن فرض تهدئة. في هذا السيناريو، قد تنخفض حدة العمليات بعد 72 ساعة نتيجة تدمير معظم الأهداف المهمة وتراجع مخزون الصواريخ، لكن تستمر مناوشات متقطعة لأسابيع.

ربما نشهد ضربات متباعدة وزيادة اعتماد إيران على حرب العصابات البحرية (استهداف ناقلات نفط إسرائيلية أو غربية في بحر العرب)، واعتماد إسرائيل على عمليات سرية لاغتيال ما تبقى من قيادات المشروع الصاروخي/النووي الإيراني بدل الضربات الواسعة.

هذه الحرب المنخفضة الوتيرة لن تجذب تدخلًا أمريكيًا مباشرًا طالما بقيت محدودة، لكنها ستبقي المنطقة في حالة توتر مزمن. أوروبا في هذا الوضع ستضاعف جهود الإغاثة الإنسانية (خاصة مع ظهور أزمة لاجئين أو نقص في الإمدادات بإيران بسبب القصف).

هذا السيناريو قد يكون الأكثر كلفة على المدنيين والأقل جدوى لأي طرف، لذا قد يسعى الجميع لتفاديه بالعودة لأحد السيناريوهات السابقة (إما الحسم السريع أو التهدئة).

احتمالية توسع الحرب إقليميًا تشمل أمريكا مباشرة تظل مرهونة بخط رفيع من الحسابات. حتى الآن، تجنب الجميع تجاوز هذا الخط: إيران امتنعت عن استفزاز واشنطن عسكريًا، وإسرائيل حرصت على إبقاء نطاق ضرباتها ضمن إيران فقط (لم تستهدف مثلاً قوات إيرانية في سوريا بشكل موسّع كي لا تستفز روسيا). لكن مع كل يوم يستمر فيه القتال، يزداد خطر الحوادث والقرارات الانفعالية.

إذا استمر تبادل النار بنفس الوتيرة خلال الـ72 ساعة القادمة دون بوادر حل، فمن المرجح ارتفاع الضغط الداخلي في إسرائيل (بسبب الصواريخ) وفي إيران (بسبب الدمار وانقطاع الخدمات). هذا الضغط قد يدفع أحد الطرفين “لكسر قواعد اللعبة” – إسرائيل ربما بتوسيع الأهداف لتشمل رأس القيادة الإيرانية، وإيران ربما بجرّ أمريكا صراحةً لضغطها نحو وقف الحرب.

وفي حال حدوث أي من الأمرين، سنكون أمام مواجهة إقليمية شاملة تتورط فيها الولايات المتحدة بشكل مباشر إلى جانب إسرائيل، وربما تستدعي مواقف أشد من روسيا والصين أيضًا.

في المحصلة، تميل التوقعات إلى محاولة ضبط النفس في اللحظات الأخيرة لتجنب الأسوأ. تصريحات الساعات الأخيرة من الجانبين توحي بذلك: إيران دعت سكان تل أبيب وحيفا لمغادرتهما كرسالة ردع دون أن تضربهما بسلاح غير تقليدي، وإسرائيل لم تقصف حتى الآن منشآت نووية نشطة قد تسبب كارثة إشعاعية. هذه الخطوط غير المعلنة قد تشير إلى رغبة ضمنية بعدم توسيع الحرب.

ومع ذلك، يبقى الوضع شديد الهشاشة. الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة؛ إما أن نشهد بدايات تسوية تحت النار تكبح اندلاع حرب إقليمية كبرى، أو سننزل منزلقًا خطرًا نحو صراع مفتوح لن تسلم منه منطقة الشرق الأوسط برمّتها. وفي ذلك، ستكون قرارات واشنطن وطهران في الساعات المقبلة هي الميزان الذي سيحدد المصير – فإما العودة إلى طاولة التفاوض بشروط ما، أو استمرار دوامة نار قد يصعب إيقافها بعدئذ.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى