آخر اخبار التقنيةالعلوم والتكنولوجيا

صراع الإنسان و الذكاء الاصطناعي …

الوصلة نيوز- أظهرت دراسة حديثة أن الموظفين الذين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وGemini وCopilotفي أداء مهامهم، ينظر إليهم غالبا على أنهم غير أكفَاء، وأقل ذكاءً من زملائهم الذين لا يستخدمون هذه التقنيات.
– الجهد البشري مقابل الـAi
وأجرى الباحثون أربع تجارب إلكترونية شملت 4400 شخص، طلب منهم خلالها تخيّل سيناريوهات يستخدم فيها بعض الموظفين أدوات الذكاء الاصطناعي، بينما لا يستخدمها آخرون، ثم طلب منهم تقييم هؤلاء الأشخاص بناء على صفاتهم وسلوكهم المهني.
وخلصت الدراسة إلى أن معظم المشاركين أفادوا بأن من يستخدمون الذكاء الاصطناعي في العمل يُنظر إليهم على أنهم أقل من زملائهم الذين يعتمدون على الجهد البشري فقط.
وبين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتحذيرات من تأثيره السلبي على الابتكار والإبداع في عقول الأفراد، يبقى السؤال: هل ما يزال القبول الاجتماعي لأدوات الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل محدودا؟ وهل يواجه مقاومة نفسية وثقافية؟
في هذا السياق، يوضح خبير استراتيجيات العلامة الشخصية والهوية الرقمية، خالد الأحمد، أن كل تحول تكنولوجي يثير تساؤلات وجودية جديدة. فعندما ظهرت السيارة، وصفت بأنها تقتل “روح” التنقّل، وعند دخول الآلة الكاتبة إلى المكاتب، قيل إنها ستفقد الكتابة صدقها وشاعريتها. واليوم، يقف الذكاء الاصطناعي أمام تساؤلات مشابهة: هل استخدامه في العمل يقلل من قيمة الإنسان؟ هل يجعلنا أقل اجتهادا، أقل كفاءة، وربما أقل إنسانية؟.
ويؤكد الأحمد أن هذه أسئلة مشروعة، تعبر عن مشاعر القلق والحنين والشك. فالمعضلة، كما يرى، ليست في الأداة نفسها، بل في الطريقة التي نختار استخدامها بها. ويضيف: “أنا شخصيا أستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي يوميا، لا كبديل عن فكري، بل كمسرع له. فهي ليست عكازا، بل دراجة نارية تمنحني الوقت لأفكر بعمق، وأكتب بجودة أعلى، وأخدم عملائي بشكل أفضل”.
ويشير الأحمد إلى أن الفرد، اذا استخدم الذكاء الاصطناعي هروبا من بذل الجهد، فسيبدو كمن يقلد من هم أكثر منه كفاءة. أما إن استعان به لتعظيم قيمته، فسيراه الآخرون شخصا ذكيا، مرنا، يعرف كيف يستثمر وقته وجهده.
–  أداة تحمل في طيّاتها مخاطر
ويشدد انه على الفرد أن ينتبه لأن كل أداة تحمل في طيّاتها مخاطر، وهنا تكمن الخطورة في الاعتياد على السرعة لدرجة ينسى فيها قيمة “التأني”، ونسخ أفكار الآخرين بدل التعبير عن التجارب الخاصة، بالإضافة ان يترك للآلة ما يجب أن يظل انسانيا مثل التعاطف، الرؤية والإبداع.
ويذكر أننا نستطيع أن نجعل من الذكاء الاصطناعي قيمة مضافة لعملنا بداية بان لا يستخدمه الفرد لينتج أقل، بل ليفكر أكثر وان يستعن به كمرآة، لا كقناع، وان يدعه يوسع أفقه، ولا يختصر هويته وفي كل مرة تولد فيها فكرة باستخدامه، اسأل نفسك هل ما كتبته يشبهني؟ هل يعبر عن رؤيتي؟
وبحسب الاحمد أن القبول الاجتماعي لاستخدام الذكاء الاصطناعي لا يزال محدودا، وهذا طبيعي فالتاريخ يخبرنا أن كل ابتكار جديد يمر بثلاث مراحل بداية الاستهزاء ويقال: “هذا مجرد موضة”، ويليها المقاومة اذ يقال: “هذا خطر على عملنا” وفي النهاية القبول والتكامل ويصبح اساسا في كل عملية.
يقول “نحن الآن في المرحلة الثانية وهذه مرحلة تحتاج إلى وعي جماعي، وقيادة فكرية، وإعادة تعريف للمهنية” موضحا بأنه ان تكون مهنيا اليوم لا يعني أن تفعل كل شيء بيديك بل أن تعرف كيف تقود، كيف تختار، وكيف توازن بين الأصالة والحداثة.
ويبين الذكاء الاصطناعي لا يقلل من قيمة الفرد بل ما يقلل منها هو أن يرفض التعلم، أو أن يهرب من التغيير، أو يتنازل عن بصمته في سبيل السرعة، ويقول “صحيح اننا نعيش زمن أدوات فائقة الذكاء لكن لا تنس أن الأداة، مهما بلغت من التطور، لا تبدع إلا حين تُمسك بها يد تعرف من تكون ولماذا تعمل”.
– استثمار الـAI بتطوير المهارات
المستشار الإعلامي والمدرب المتخصص في التسويق والعلاقات العامة، بشير مريش، بين أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لا يُضعف بالضرورة الصورة المهنية للفرد، بل يمكن أن يعززها إذا تم استخدامه بذكاء وفعالية.
ويوضح أن الطريقة التي يستخدم بها الذكاء الاصطناعي، والتصورات الثقافية والاجتماعية المرتبطة به، هي ما تؤثر على نظرة الآخرين للمستخدم.
وهنالك عوامل تعزز من الصورة المهنية منها استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الإنتاجية واتخاذ قرارات أفضل، واستثمار الوقت الموفر من خلال الأداة في تطوير المهارات أو الإبداع في العمل، إلى جانب إظهار القدرة على مواكبة التكنولوجيا والاندماج في المستقبل المهني.
ويضيف أن هنالك عوامل قد تضعف الصورة المهنية وفقا لنظرة تقليدية، منها الاعتماد الكامل على الأدوات دون بذل جهد شخصي أو فهم عميق للمهمة، وعدم توضيح الدور الحقيقي للفرد في الإنجاز، بالاضافة الى بيئة عمل غير ناضجة رقميا أو ذات ثقافة ترى في الذكاء الاصطناعي تهديدا أو تحايلا.
وينوه بذلك ان الذكاء الاصطناعي أداة، وليس بديلا عن الذكاء البشري، والشخص الذي يعلم كيف يستخدمه لتعزيز قيمته المهنية، سيوصف بالذكاء والتطور.
بينما من يعتمد عليه كليا دون فهم، فقد يساء فهمه من قبل الآخرين، منوها انه ما زال المجتمع المهني خاصة في منطقتنا، بحاجة إلى تغيير ثقافي ونفسي لتقبّل الذكاء الاصطناعي كأداة إنتاجية وليست حيلة لتقليل الجهد.
– محاذير ينبغي أن يدركها المستخدم
ويذكر مريش ان هنالك عددا من المحاذير المهمة التي يجب أن يكون الفرد واعيا لها عند استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، خاصة في العمل أو الحياة اليومية، لأن الاستخدام غير الواعي أو المفرط قد يؤدي إلى نتائج عكسية أو غير مسؤولة.
أولا الاعتماد المفرط وفقدان المهارات الشخصية، ويفسر مريش ان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل دائم قد يؤدي إلى تراجع المهارات التحليلية والكتابية والتفكير النقدي لدى الفرد.
وثانيا؛ ضعف الخصوصية وحماية البيانات، فأدوات الذكاء الاصطناعي تعتمد على البيانات المدخلة، و إدخال معلومات حساسة أو شخصية قد يعرضها للاستخدام أو التسريب، وثالثا المعلومات المغلوطة او غير الدقيقة، فالذكاء الاصطناعي قد يقدم إجابات خاطئة أو غير محدثة، و الاعتماد الكامل على نتائجه دون مراجعة قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة.
ويتابع مريش؛ رابعاً التاثير على الإبداع والابتكار، وخامسا انتهاك حقوق النشر والملكية الفكرية، اذ إن بعض أدوات الذكاء الاصطناعي قد تنتج محتوى مشابها لمحتوى محمي بحقوق نشر، مما قد يعرض المستخدم للمساءلة القانونية.
واخيرا غياب البعد الاخلاقي، فالذكاء الاصطناعي لا يفهم السياق الأخلاقي أو الثقافي بالكامل، وقد يقترح حلولا غير مناسبة اجتماعيا أو دينيا.
ووفقا لذلك، يرى مريش ان استخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون محفزا للإنتاجية والتطور، لكن الوعي والرقابة الذاتية هما مفتاح الاستخدام الصحيح، لذلك على الفرد ان يجعل الذكاء الاصطناعي وسيلة ذكية، لا بديلا عن الذكاء البشري.
ووجه مريش بعض النصائح لمستخدمي الذكاء الاصطناعي اولا استخدمه كأداة مساعدة وليس منفذة بالكامل، بمعنى اجعله يساعدك في تحسين جودة العمل، تسريع بعض المهام، توليد الأفكار، أو التحرير اللغوي، لكن لا تعتمد عليه كليا لإنجاز العمل من البداية للنهاية.
الى ذلك، المحافظة على البصمة المهنية الشخصية، وان يراجع المستخدم دائما أي مخرجات تأتي من أدوات الذكاء الاصطناعي، حتى تعكس أسلوبه، خبرته، وفهمه العميق للمجال.
ويتابع، كلما كان المستخدم أكثر وعيا بأدوات الذكاء الاصطناعي، أصبح أكثر قدرة على التحكم بها وتوجيهها لخدمة أهدافه، بدلا من أن يكون عبداً لها.
بالإضافة الى استخدام الذكاء الاصطناعي للتركيز على المهام ذات القيمة الاعلى، بمعنى يدع الذكاء الاصطناعي يتولى الأمور الروتينية، ليتفرغ للأعمال التي تتطلب تحليلا، قرارا، ابداعا، أو تواصلا بشريا.
–  الذكاء الاصطناعي كمساعد شخصي
ويشدد مريش على ان يجعل الفرد الذكاء الاصطناعي مصدر إلهام لا نسخة مكررة، وان يكن دائما من يقود الأداة لا من تقوده، وان يفكر في الذكاء الاصطناعي كمساعد شخصي، وليس مديرًا لعمله، و يحافظ على المبادرة والسيطرة في كل عملية يستخدم بها التقنية.
ويقول مريش “الذكاء الاصطناعي لا يقلل من كفاءة الفرد إلا إذا استخدمه بشكل عشوائي أو غير نقدي أما من يستخدمه كأداة تطوير ذكيّة وبصيرة مهنية، فسينظر إليه على أنه سبّاق، مبدع في بيئة العمل الحديثة”.
من وجهة نظر مريش ما يزال القبول الاجتماعي لأدوات الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل محدودا ويواجه مقاومة نفسية وثقافية، لعدة أسباب مترابطة بالخوف من فقدان الوظائف، والنظرة السلبية لمن يستخدم الذكاء الاصطناعي، وثالثا الفجوة الثقافية والتكنولوجية.
وبحسب قوله؛ انه في بعض الثقافات أو البيئات المؤسسية، ينظر إلى الابتكار التقني كـ”تهديد” بدلاً من كونه “فرصة”، خاصة في المؤسسات التي لم تواكب بعد التحول الرقمي الكامل أو التي تعتمد على أساليب تقليدية.
ويؤكد مريش ان ضعف الوعي الرقمي، وقلة التدريب والمعرفة حول كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال وأخلاقي يؤدي إلى رفضها، لأن المجهول دائما يقابل بالخوف.
كما أن هناك تخوف مشروع من أن يؤدي الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي إلى تآكل التواصل الإنساني بحسب مريش، وفقدان “اللمسة البشرية” في العلاقات المهنية واتخاذ القرار.
ويختم مريش حديثه بأن الذكاء الاصطناعي يعد أداة قوية لتطوير الأداء وزيادة الكفاءة، إلا أن القبول الاجتماعي الكامل له يتطلب وقتا، وقيادة واعية، وبرامج توعوية داخل المؤسسات توضح أن هذه الأدوات جاءت لتدعم الإنسان لا لتحل محله، و التغلب على هذه المقاومة يتطلب بناء ثقافة رقمية شاملة تشجع على الاستخدام الذكي والمسؤول للتكنولوجيا.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى