الأردن يترقب صيف شديد الحرارة ومشاكل المياه تتجدد

الوصلة نيوز – مع بدء فصل الصيف يجد الأردن نفسه أمام تحديات مناخية متصاعدة تتطلب استجابة وطنية عاجلة، شاملة، ومتعددة القطاعات.
وتأتي هذه التحديات في ظل تقرير جديد صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يتوقع أن تكون السنوات الخمس المقبلة 2025–2029، الأكثر سخونة في تاريخ المناخ المسجل، ما ينذر بتفاقم الظواهر الجوية المتطرفة وتأثيراتها الواسعة على البيئة، والأمن المائي، والاقتصاد الوطني.
وكشفت إدارة الأرصاد الجوية الأردنية، أحد الأعضاء الفاعلين في المنظمة العالمية، عن تغيرات مناخية واضحة خلال العام 2024 مقارنة بالسجل المناخي الوطني الممتد لأكثر من 100 عام.
ومن ضمن تلك التغيرات؛ سجل العام 2024 ثالث أعلى معدل درجات حرارة سنوية في تاريخ المناخ الأردني، وشهد صيف العام 2024 أعلى درجات حرارة مسجلة صيفا على الإطلاق، فيما كانت ليالي الشتاء من بين الأدفأ تاريخيا.
كما سجلت المجاميع المطرية السنوية من بين الأدنى في السجل المناخي، لا سيما في جنوب وشرق المملكة.
وتضيف توقعات صيف العام 2025 مزيدا من القلق؛ إذ تُشير إلى احتمال بنسبة 70 % أن تتجاوز درجات الحرارة المعدلات الطبيعية، ما يفرض ضغطًا إضافيًا على الموارد المائية والطاقة.
وبحسب تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فهناك احتمال بنسبة 80 % بأن يسجل أحد الأعوام الخمسة المقبلة أعلى درجة حرارة في التاريخ، واحتمال بنسبة 86 % بأن تتجاوز درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية.
كما يتوقع أن يكون متوسط الاحترار العالمي أعلى من 1.5 درجة مئوية في مجمل الفترة.
ومن التأثيرات المصاحبة المتوقعة؛ موجات حرّ أكثر شدة وطولا وتكرارا، وهطولات مطرية غزيرة ومفاجئة في مناطق، وجفاف حاد في أخرى، بالإضافة لذوبان جليدي متسارع وارتفاع مستويات البحار.
وبخصوص الاستعداد الأردني ومدى الجهود القائمة والتحديات المتداخلة، أكد مدير الأرصاد الجوية رائد رافد آل خطاب، في تصريحات سابقة، أهمية هذه التوقعات لدعم السياسات الوطنية للمناخ، مشددا على ضرورة الاستعداد المسبق والتعاون الإقليمي والدولي.
وفي وقت لا يعد فيه التغير المناخي شأنا بيئيا فقط، رأى الخبير الدولي في قطاع المياه د. دريد محاسنة، في تصريحات لـ”الغد”، أن حجم التحدي المناخي يتطلب نهجا وطنيا تكامليا يتجاوز الأطر التقليدية.
وأوصى محاسنة بأهمية ربط ملف المناخ بمختلف الوزارات، مثل الطاقة، الاقتصاد، التخطيط، البلديات، والنقل، والاستثمار في الطاقة النظيفة، وذلك من خلال التحول إلى الطاقة الشمسية ومنع الصناعات التي تعتمد على الوقود الأحفوري أو تفتقر للمعايير البيئية.
كما أشار إلى ضرورة إحياء مشاريع البنية التحتية المائية، كإنشاء برك صحراوية لتخزين مياه الأمطار، وفتح المجال للقطاع الخاص لحفر الآبار وتوريد المياه، وتقليل الفاقد المائي، حيث يفقد الأردن نحو 50 % من مياهه، مع استخدام الزراعة أكثر من 55–60 % من المياه، رغم أن جزءا كبيرا منها يُستهلك لتصدير المحاصيل.
وأكد أهمية إيقاف الزراعة غير المستدامة في المناطق الصحراوية التي تعتمد على مياه جوفية مستنزفة، وتشجيع استخدام السيارات الكهربائية، وتحديث سياسات النقل لتقليل انبعاث الغازات الدفيئة، إلى جانب تعزيز التعاون الإقليمي مع دول الجوار مثل سورية، والعراق، والسعودية في مشاريع مكافحة التصحر وتخزين المياه.
وحذر محاسنة من تهديد التغير المناخي بشكل مباشر على الأمن الوطني بمفهومه الشامل، ما يستدعي أن تتحول سياسة المناخ إلى إستراتيجية وطنية متعددة الأبعاد تشمل التخطيط العمراني، والسياسات الزراعية، وأمن الطاقة والمياه، ومراقبة النشاط الصناعي.
وأكد أن المطلوب اليوم هو خطة وطنية مندمجة، لا تقتصر على وزارة البيئة أو المياه، بل تشمل كل مؤسسة تمس البنية التحتية والاقتصاد والإدارة المحلية، لافتا إلى أن تقرير المنظمة العالمية للأرصاد، قد يكون بمثابة التحذير الأخير قبل أن تشتد آثار الأزمة المناخية على الأردن بشكل يصعب احتواؤه لاحقا.
ولا يزال ينظر للموسم المطري الأخير 2024 – 2025، على أنه ثاني أضعف المواسم منذ العام 1958، وهو ما يشي بأسئلة كثيرة حول سيناريوهات التزويد المائي للصيف المقبل.
وتوصف الخيارات المقترحة على أنها صعبة لكن الحاجة ملحة، إذ تبنت الحكومة عدة سيناريوهات لإدارة ملف المياه في دولة تتربع على قائمة الدول الأفقر مائيا في العالم.
ولا شكّ أن انعكاسات “ضعف” أداء الموسم المطري، لن تكون مرضية خاصة خلال الموسم الذي يشهد فيه الطلب على المياه ذروته وحدوده القصوى، وهو فصل الصيف، إلا أن مواجهة هذا التحدي لن تكون مستحيلة وستكون مرتبطة بسيناريوهات عملية وواقعية. وبحسب وزارة المياه والري، أكدت أنها قامت بوضع خطط وبرامج عبر سيناريوهات مختلفة للتعامل مع كافة الظروف بخصوص الموسم المطري الضعيف.